giovedì 13 ottobre 2016

رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي للمهاجر واللاجئ 2017 "مهاجرون قاصرون، ضعفاء لا صوت لهم"


أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!
"مَن قَبِلَ واحِدًا مِن أَمثالِ هؤُلاءِ الأَطفالِ إِكرامًا لاسمِي فقَد قَبِلَني أَنا ومَن قَبِلَني فلم يَقبَلْني أَنا، بلِ الَّذي أَرسَلَني" (مر 9، 37؛ راجع مت 18، 5؛ لو 9، 48؛ يو 13، 20). بهذه الكلمات يُذكّر الإنجيليّون الجماعةَ المسيحية بأحد تعاليم يسوع المُشجّع والمُفعم بالالتزام معًا. هذا التعليم في الواقع، يرسم دربًا أكيدة تقود إلى الله، انطلاقًا من الصغار ومرورًا بالمخلص، من خلال ديناميكيّة الاستقبال. فالاستقبال إذًا هو شرط ضروريٌّ لكي تتحقق هذه المسيرة بشكل ملموس: الله صار واحدًا منا، بيسوع صار طفلاً، والانفتاح على الله بالإيمان الذي يُغذّي الرجاء، يُترجم في القرب المحب من الصغار والأشدَّ ضُعفًا. المحبة والإيمان والرجاء، تتصل كلها بأعمال الرحمة الروحيّة والجسديّة التي أعدنا اكتشافها خلال اليوبيل الاستثنائي الأخير.
لكن الإنجيليين يتوقفون أيضًا عند مسؤوليّة من يسلك بعكس الرحمة: "وأَمَّا الذي يَكونُ حجَرَ عَثرَةٍ لأَحدِ هؤلاءِ الصِّغارِ المؤمِنينَ بي فَأَولى بِه أَن تُعلَّقَ الرَّحى في عُنُقِه ويُلقى في عُرضِ البَحر" (مت 18، 6؛ راجع مر 9، 42؛ لو 17، 2). كيف لا نفكّر بهذا التحذير القاسي آخذين بعين الاعتبار الاستغلال الذي يقوم به أشخاص بلا ضمير إزاء العديد من الأطفال – الذكور والإناث – الذين يُجبرون على ممارسة الدعارة أو يقعون في شباك المواد الإباحيّة، أو يصيرون عبيدًا لعمالة القاصرين أو يُجنّدون، أو ينخرطون في تجارة المخدرات وأشكال أخرى من الجرائم، مجبرين على الهرب من النزاعات والاضطهادات بالرغم من خطر أن يجدوا أنفسهم وحيدين ومتروكين؟
لذلك وفي مناسبة اليوم السنوي العالمي للمهاجر واللاجئ، أوّد أن ألفت الانتباه إلى واقع المهاجرين القاصرين، لا سيما أولئك الوحيدين، وأطلب من الجميع أن يعتنوا بالأطفال الذين لا حول لهم ولا قوّة لأنّهم قاصرون وغرباء وغير قادرين عن الدفاع عن أنفسهم، عندما، ولأسباب عديدة، يُجبرون على العيش بعيدين عن أرضهم ومنفصلين عن محبة العائلة.
إن الهجرات اليوم ليست ظاهرة مُرتبطة ببعض مناطق الأرض، وإنما تطال جميع القارات وتأخذ أكثر فأكثر أبعاد مسألة عالميّة مأساويّة. لا يتعلّق الأمر فقط بأشخاص يبحثون عن عمل كريم أو أوضاع معيشية أفضل وإنما أيضًا برجال ونساء ومسنّين وأطفال يُجبرون على ترك بيوتهم راجين إنقاذ حياتهم وإيجاد السلام والأمان في مكان آخر. إن القاصرين هم أول من يدفع الثمن الباهظ للهجرة التي يسببها على الدوام العنف والبؤس والأوضاع البيئيّة، وهي عوامل ترتبط أيضًا بالعولمة في جوانبها السلبيّة. إن العَدْوَ المفرط نحو الأرباح السريعة والسهلة يتضمن أيضًا تنامي آفات مقيتة شأن الاتجار بالأطفال، استغلال القاصرين وإساءة معاملتهم، وبشكل عام، نكران الحقوق المرتبطة بالطفولة والتي تنُصُّ عليهاالمعاهدة الدولية لحقوق الطفل.
لسن الطفولة، ونظرًا لهشاشتها، متطلبات فريدة لا يمكن التغاضي عنها. وهي قبل كل شيء الحق في بيئة عائلية سليمة ومحمية يُتاح فيها النمو تحت رعاية أب وأم والاقتداء بهما؛ ثم الحق-الواجب في الحصول على تربية ملائمة، في كنف العائلة أساسا وفي المدرسة أيضًا، حيث يُمكن أن ينمو الأطفال كأشخاص ورواد لمستقبلهم وأمّتهم. في الواقع، ما تزال القراءة والكتابة وإمكانية القيام بحسابات بديهية خاصية تتمتّع بها قلة من الأشخاص في العديد من مناطق العالم. لكل القاصرين الحق في اللعب والقيام بنشاطات ترفيهية، إن لهم الحق، باختصار، في أن يكونوا أطفالا.
بالمقابل، يمثّل الأطفال بين المهاجرين، الفئةَ الأكثر هشاشة لأنهم، وإذ يطلّون على الحياة، هم غير مرئيين ولا صوت لهم: عدم الاستقرار يحرمهم من الوثائق ويخفيهم عن أنظار العالم؛ وغياب أشخاص بالغين يرافقونهم، يحول دون رفع أصواتهم وإسماعها. وبهذا الشكل، ينتهي الأمر بالمهاجرين القُصَّر، وبسهولة، إلى أدنى مستويات التدهور الإنساني حيث اللاشرعية والعنف يحرقان في لحظة مستقبل أبرياء كثيرين، فيما شبكة استغلال القاصرين يصعب كسرها.
كيف نواجه هذا الواقع؟
قبل كل شيء، بإدراك أن ظاهرة الهجرة ليست منفصلة عن تاريخ الخلاص، بل هي جزء منه. وترتبط بها وصية لله "والغريبُ فلا تَظلمه ولا تُضايقه فإنَّكم كنتم غرباءَ في أرضِ مصر" (سفر الخروج 22، 20)؛ "فأحبّوا الغريبَ فإنَّكم كنتم غرباءَ في أرضِ مصر" (سفر تثنية الاشتراع 10، 19). تمثّل هذه الظاهرة إحدى علامات الأزمنة، علامة تتكلم عن عمل العناية الإلهية في التاريخ وفي الجماعة البشرية بغية الوصول إلى الشركة الشاملة. إن الكنيسة، دون تجاهل مشاكل الهجرات، التي غالبًا ما تكون مآسي، إضافة إلى المصاعب المرتبطة بالاستقبال الكريم لهؤلاء الأشخاص، تحثّ على رؤية مخطط الله في هذه الظاهرة أيضًا، مع اليقين بأن ما من أحد هو غريب في الجماعة المسيحية التي تعانق "كلّ أمَّةٍ وقبيلةٍ وشعبٍ ولسان" (رؤيا 7، 9). إن كل شخص ثمين، والأشخاص هم أهم من الأشياء، وقيمة كل مؤسسة تُقاس من خلال طريقة معاملتها لحياة الكائن البشري وكرامته، لا سيما في أوضاع الهشاشة، كما في حال المهاجرين القاصرين.
إضافة إلى ذلك، ينبغي التركيز على الحماية والدمج والحلول الدائمة.
قبل كل شيء، ينبغي تبني كل إجراء ممكن لضمان حماية المهاجرين القاصرين والدفاع عنهم، لأن "هؤلاء الفتيان والفتيات ينتهي بهم الأمر غالبًا متروكين في الطرقات وحدهم وفريسة لمستغلّين عديمي الضمير، كثيرًا ما يحوّلونهم إلى غرض للعنف الجسدي والمعنوي والجنسي" (بندكتس السادس عشر، رسالة لمناسبة اليوم العالمي للمهاجر واللاجئ 2008).
من ناحية أخرى، فإن الخط الفاصل بين الهجرة والاتجار قد يصبح في بعض المرات رفيعًا للغاية. وكثيرة هي العوامل التي تساهم في خلق حالة من الهشاشة لدى المهاجرين، لا سيما القاصرين منهم: الفقر ونقص وسائل البقاء على قيد الحياة -بالإضافة إلى التطلعات غير الواقعية التي تسبّبها وسائل الإعلام-؛ والمستوى المتدني للعلم؛ وجهلهم لقوانين البلدان المضيفة وثقافتها وغالبًا لغتها. كل ذلك يجعلهم "خاضعين" جسديًا ونفسيًا. غير أن المحرّك الأقوى لاستغلال الأطفال وسوء معاملتهم يأتي من الطلب. وإن لم يتم إيجاد الطريقة للتدخل بمزيد من الحزم والفعالية ضد المستغلِّين، فلن يكون بالإمكان إيقاف الأشكال المتعددة للعبودية والتي ضحاياها هم القاصرون.
من الضروري إذا، ولخير أطفالهم، أن يتعاون المهاجرون بشكل وثيق أكثر فأكثر مع الجماعات التي تستضيفهم. وبكثير من الامتنان، نتوجّه إلى الهيئات والمؤسسات، الكنسية والمدنية، التي بجهد كبير تقدّم الوقت والموارد لحماية القاصرين من أشكال الاستغلال المتعددة. ومن الأهمية بمكان تحقيق تعاون أكثر فأكثر فعالية وتأثيرًا، لا يقوم على تبادل المعلومات فقط، وإنما أيضًا على تكثيف الشبكات القادرة على ضمان تدخلات سريعة ومتشعّبة، بدون تجاهل أن القوة الكبيرة للجماعات الكنسية تبرز بالأخص عندما تكون هناك وحدة في الصلاة وشَرِكة في الأخوّة.
في المقام الثاني، لا بد من العمل على دمج الأطفال والفتيان المهاجرين. إنهم يعتمدون بالكامل على جماعة البالغين، وغالبًا ما يحول النقص في الموارد المالية دون تبني سياسات ملائمة للاستقبال والرعاية والدمج. وبالتالي، عوضًا عن تعزيز الاندماج الاجتماعي للمهاجرين القاصرين أو دعم برامج لإعادتهم إلى الوطن تكون آمنة وتتمتع بالمرافقة، يتم السعي إلى منع هؤلاء من الدخول مما يسهل اللجوء إلى شبكات غير شرعية؛ أو تتم إعادتهم إلى بلد المنشأ دون التأكد من أن هذا الأمر يتلاءم مع "مصلحتهم العليا" الفعلية.
إن وضع المهاجرين القاصرين يكون أكثر خطورة عندما يوجدون في حالة غير نظامية أو عندما تُجنّدهم عصبات الجريمة المنظمة. وغالبًا ما ينتهي بهم المطاف في مراكز الاعتقال. يُعتقل هؤلاء أحيانًا كثيرة، وبما أنهم يفتقرون إلى المال لدفع الكفالة وتكاليف سفر العودة، يبقون محتجزين لفترات طويلة، ويتعرضون لشتى أنواع الانتهاكات وأعمال العنف. في هذه الحالات ينبغي أن يتلاءم حق الدول في إدارة تدفقات الهجرة والدفاع عن الخير العام الوطني، مع الواجب في حل وتسوية وضع المهاجرين القاصرين في إطار الاحترام الكامل لكرامتهم والسعي إلى الاستجابة لمتطلباتهم، عندما يكونوا لوحدهم، ولمتطلبات والديهم أيضًا، بشكل يعود بالفائدة على الخلية العائلية بأسرها.
ومن الضروري أيضًا أن يتم تبني إجراءات وطنية ملائمة وخطط للتعاون يتم الاتفاق بشأنها بين بلدَي المنشأ والمقصد من أجل إلغاء مسببات الهجرة القسرية للقاصرين.
في المقام الثالث، أوجّه للجميع نداء نابعًا من القلب من أجل البحث عن حلول دائمة وتبنيها. إن مسألة المهاجرين القاصرين، ولكونها ظاهرة معقدة، ينبغي أن تُعالج من جذورها. فالحروب وانتهاكات حقوق الإنسان، والفساد والفقر وغياب التوازن والكوارث البيئية كلها جزء من أسباب المشكلة. والأطفال هم أول من يعاني نتيجة ذلك، من خلال التعرض أحيانًا للتعذيب والعنف الجسدي المرفقَين بالتعذيب والعنف المعنوي والنفسي، ما يترك لديهم علامات لا تُمحى في غالب الأحيان.
لذا من الأهمية بمكان أن تواجَه، في بلدان المنشأ، الأسباب الكامنة وراء الهجرات. وهذا يتطلب، كخطوة أولى، التزام الجماعة الدولية بأسرها في إخماد الصراعات وأعمال العنف التي ترغم الأشخاص على الهروب. فضلا عن ذلك لا بد من تبني نظرة بعيدة المدى تكون قادرة على استشفاف برامج ملائمة للمناطق التي تعاني من أخطر حالات الظلم وانعدام الاستقرار، كي تُضمن للجميع الإفادة من التنمية الأصيلة التي تعزز خير الأطفال الذكور والإناث، أمل البشرية.
أود أخيرًا أن أوجّه كلمة لكم أنتم، أيها السائرون إلى جانب الأطفال والفتيان على دروب الهجرة: إنهم بحاجة إلى مساعدتكم الثمينة، والكنيسة أيضًا تحتاج إليكم وتعضدكم في الخدمة السخية التي تقدمونها. لا تكلّوا من عيش الشهادة الصالحة للإنجيل بشجاعة إذ إنها تدعوكم إلى التعرف على الرب يسوع وقبوله لأنه حاضر في الصغار والضعفاء.
أعهد بجميع المهاجرين القاصرين، وعائلاتهم وجماعاتهم وبكم أنتم أيها الأشخاص القريبون منهم إلى حماية عائلة الناصرة المقدسة، كي تسهر على كل واحد وترافقه في مسيرته؛ وأُرفق صلاتي هذه بالبركة الرسولية.
صدر عن الفاتيكان، 8 سبتمبر / أيلول 2016، عيد ميلاد السيدة العذراء مريم.
فرنسيس

Nessun commento: